كان مستغرقا في نومه
صفحة 1 من اصل 1
كان مستغرقا في نومه
… كان مستغرقا في نومه حين همس الكلام في أذنه { الي متي تعيش هكذا ؟ ظلا لانسان آخر يتحكم فيك كما يشاء ؟! { وكان الصوت مترفقا نصوحا فلم يفزع ذلك النائم إنما رد في هدوء { ماذا تعني يا سيدي الملاك ؟} فأجابه الملاك { أقصد أنك في افكارك وفي حياتي الروحية قد فقدت شخصيتك ، واصبحت تعيش بشخصية غيرك . هناك رجل آخر كبر في عيني نفسه ، ثم ظل يكبر في عينك أنت ، حتي جعلته مثلك الأعلي تتبعه في كل شئ : ترتفع معه ان ارتفع ، وتسقط معه حينما سقط ، ، آراؤه آراوك ، وانحرفاته هي انحرافاته هي انحرافاتك ، بل انك تدافع عن أفكاره أكثر مما يدافع هي عنها . وأنت تؤمن بمبادئ هذا { السيد } دون نقاش ، يكفيك أن معبودك هذا قد نطق بها في وقت ما }.
واحس ذلك النائم أن كل مالقا الملاك صحيح ، ولكنه أراد توضيحا لموافقة فقال : { وهل من ضير يا سيدي الملاك في أن أتبعه مادامت كل افكاره سليمه ليس فيها شئ من الخطأ ؟ أليس من الجائز أن يخطئ كانسان ؟ وان أخطأ فكيف تعرف ذلك ، ما دمت لا تسمع الا أفكاره ولا تود أن تقبل غيرها ؟ وما دام كل شخص يعارض افكار هذا { السيد } هو في نظرك شخص لا يصح ان تستمع إليه ، وإن استمعت فبروح الجدل ، محاولا أن ترد علي كل فكرة وان تنقضها دون أن تتفهمها لا لشئ الا لأنها تعارض آراء سيدك !! }.
وفرك النائم عينيه في خجل ليتحقق ما أذا كان صاحبا أم نائما بيما استمر الملاك في حديثه :{ان روحك حبيسة تود أن تنطلق ولا تسطيع ، لنها مقيدة بقيود هذا الإنسان .. أنه يعطيك ممن المعلومات ما يريدك
هو أن تعلمه : يعلن لك ما يشاء من الحقائق ، ويحبس عنك ما يشاء . وحتي المعلومات التي عندك من ذاتك ، والتي تكتسبها من غير طريقه ، خاضعة هي أيضاً لمراجعته . أنك قد فقدت شخصيتك تماماً . واصبحت لا تتصرف من تلقاء نفسك . كلما حاقت بك مشكلة تستصرخ به لينقذك . وكلما عرض لك امر من الأمور لا تحاول ان تبث فيه بحل حتي يجئ { سيدك } ويحله . وان تصرفت في الأمر يستطيع أن يلغي تصرفك ومتي يشاء في حياتك هو أن تصبح صورة باهتة من هذا الإنسان . شخصيتك التي خلقك الله بها قد ضاعت . وشخصيته هو لن تستطيع أن تصل إليها تماما ، لأن الظروف الروحية والعقلية والإجتماعية التي كونتها هي غير ظروفك . وهذكا أراك تتأرجح في وضع غير مستقر بين الحالتين } .
واستمع ذلك النائم إلي هذه العبارات وهو يشعر أنها تمس صميم نفسه ، بل أنه فيما بينه وبين نفسه يحس أنه قد أصبح ضيق الصدر بسلطان ذلك { السيد }.
وهكذا وجد الشجاعة في ان يطلب إلي الملاك أن يوجد له حلا فقال { ولكن أستطيع يا سيدي الملاك أن أناقش معلمي }؟ فأجاب الملاك :{ أقول لك – والقياس مع الفارق – أن الله يحب أن يكون أولاده أقوياء الشخصية حتي أنه كان يسمح لهم أن يناقشوه }. أنظر إلي أرمسا وهو يقول { أبر أنت يارب من ان أخاصمك ولكني أكلمك من جهة احكامك ، لمذا تنجح طريق الأشرار ، اطمأن كل الغادرين غدراً }{أر1:12} واستمع إلي إبراهيم وهو يناقش الله تمجد أسمه ويقول له { حاشا لك أن تفعل مثل ذها الأمر .. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلا ؟ {تك25:18}. وانتقل معي ايضا إلي موسى وهو يكلم خالقه فوق الجبل بنفس الأسلوب فيقول له :{ أرجع عن حمو غضبك وأندم عن الشر }{12:32}.
فقال النائم للملاك { ولآن ماذا تريد يا سيدي الملاك أن أفعل ؟} فجابه الملاك { أريد ألا تلقي قيادتك إلي إنسان معين ، وإنما استمع إلي الكثيرين ، واقرأ للكثيرين ، واستعرض ما تشاء من الآراء . وليكن لك روح الفراز ، فتميز الرأي السليم من الرأي الخاطئ ، وتعتنق من كل ذلك ما يناسب حالتك أنت بالذات من جهة تكوينك الروحي والعقلي ، وما يناسب ظروفك الإجتماعية والعلمية ، ويتناسب ايضاً مع سنك ، عالما أن هناك طرقا كثيرة تؤدي إلي الله ، وقد يكون الطريق الذي صلح لغيرك غير الطريق الذي يصلح لك أنت بالذات ، الطريق الذي أختاره لك الله – وليس الناس – دون غيره من الطرق .
... ثم استيقظ النائم من نومه ، ليري نفسه إنساناً جديداً قد انطلقت روحه ، حره من كل قيد ، تبحث عن الحق أينما وجد ولا تؤمن بعبادة الأشخاص ...
عن كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى